إعداد: أحمد عاطف
بمناسبة انعقاد مؤتمر "حوار المنامة العاشر" في العاصمة البحرينية خلال الأسبوع الأول من شهر ديسمبر 2014، والذي ينظمه سنوياً المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، فقد أصدر المعهد كتاباً بعنوان: "أمن الشرق الأوسط: محور الولايات المتحدة وصعود داعش"، حيث يضم الكتاب أحد عشر فصلاً تمثل نتائج ورش عمل المؤتمر، والتي سلط خلالها محللون وخبراء من المعهد الضوء على القضايا الجيوستراتيجية الأكثر أهمية في الخليج والشرق الأوسط، بما في ذلك التحديات الأمنية التي تواجهها هذه المنطقة، كما ركزت الأوراق المتضمنة في الكتاب على التداعيات الإقليمية للحرب الأهلية في سوريا، والآثار المترتبة على تغير موقف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ودور القوى الكبرى الأخرى في المنطقة.
أزمة الدولة العراقية
في بداية الكتاب، يتطرق كل من Toby Dodge"" أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية والخبير في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، و"Becca Wasser" الباحثة في معهد (IISS)، إلى تفاقم الوضع في العراق مع بداية يونيو 2014 عندما سيطر تنظيم "داعش" على مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن في البلاد، ثم سلك المتمردون (الذين يقدر عددهم بأكثر من 30 ألف شخص) طريقهم للتوغل في محافظة ديالى، والتي تقع على الحدود مع إيران، مع تدعيم موقفهم في محافظة الأنبار على الحدود مع سوريا. وقد أظهر توسع "داعش" ليس فقط أن هذه العمليات تم التخطيط لها بشكل جيد، ولكنها عكست أيضاً أوجه القصور العميقة في الدولة العراقية.
ويرى الكاتبان أن الأزمة الحالية في العراق ليست فقط نتاج الأخطاء التراكمية لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي خلال السنوات الثماني التي قضاها في منصبه، وإنما ترجع جذورها إلى الإخفاقات العميقة للنظام السياسي في مرحلة ما بعد الحرب الأمريكية في العراق.
ويحذر الكاتبان من أن خطورة الأزمة الراهنة تكمن في فقدان الجيش العراقي بسرعة السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي في شمال بغداد بعد سقوط الموصل، ومن ثم تراجع سلطة الدولة، مما يُلقي بظلالِ من الشك على استدامة التسوية السياسية في البلاد، وأمن العراقيين بل ومستقبلهم.
إيران ودول الخليج.. والحرب الأهلية في سوريا
يرى " Emile Hokayem" الباحث المتخصص في أمن الشرق الأوسط بمعهد (IISS)، أن العامل الأساسي في الأزمة السورية هو تدخل كل من إيران وبعض دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية وقطر، في كل جانب من جوانب ذلك الصراع، على اعتبار أن هذا التدخل أثَّر بدوره في حسابات وسلوك الفاعلين السوريين الرئيسيين في الأزمة، كما أدت هذه المنافسة الإقليمية في الصراع السوري إلى تفاقم حدة الاستقطاب في الشرق الأوسط.
ويضيف الكاتب أن الدول التي تتدخل في الأزمة السورية ليس لها أي حدود مع سوريا، ومن ثم فقد نجت حتى الآن وإلى حد كبير من التداعيات المباشرة للحرب، على عكس الجيران المباشرين الذين يعانون من تدفقات اللاجئين والتهديدات الأمنية.
وبالنظر إلى الصراع في سوريا باعتباره نقطة مركزية للتغيير في منطقة الشرق الأوسط، أكد Hokayem"" أن كلاً من إيران وبعض دول الجوار استثمر بكثافة في سوريا لتأمين نتائج الصراع لكي تتماشى مع مصالحها السياسية والأمنية، ومع ذلك فقد ثبت أن هذا الاستثمار مُكلِّف لجميع الأطراف المعنية في ظل طبيعة الأزمة السورية المعقدة.
ويؤكد الكاتب أنه بدون المساعدات المتعددة الأوجه التي تقدمها إيران إلى نظام بشار الأسد، لما ظل هذا النظام المحاصر موجود في موقعه حتى الآن، خاصةً بعد الانتكاسات الخطيرة التي تعرض لها عام 2012.
وفي إطار الحديث عن الأزمة السورية، تضمن الكتاب فصلاً آخراً بعنوان: "تقدير الجهاد في سوريا"، تحدث خلاله "Charles Lister" الباحث في مركز بروكنجز بالدوحة، عن الجماعات المسلحة في سوريا، موضحاً أن العناصر الجهادية السنية ظهرت بشكل علني في يناير 2012 عندما أعلنت "جبهة النصرة" مسؤوليتها عن تفجير انتحاري في دمشق في 23 ديسمبر 2011 أسفر عن مقتل 40 شخصاً، ويرجع انتشار مثل هذه الجماعات إلى إطلاق سراح المعتقلين الإسلاميين من السجون السورية في إطار سلسلة من قرارات العفو الرئاسية في مايو ويونيو 2011، بالإضافة إلى وجود عدد من الخلايا الجهادية المرتبطة بالقاعدة.
وتزامن مع انتشار تلك العناصر الجهادية السنية، نمو متزايد في عدد من الجماعات السلفية المحافظة مثل "أحرار الشام، ولواء الإسلام، وصقور الشام". لذا فإنه بحلول منتصف عام 2013، تضمن مسرح الصراع السوري على الأقل ألف وحدة مسلحة، اعتمد بعضها كلياً على الدعم الخارجي. ووسط هذه البيئة الفوضوية بشكل مكثف، فضلاً عن الوحشية المروعة لهذا الصراع السوري الذي طال أمده، يتوقع الكاتب استمرار تزايد دور الجماعات الجهادية.
وفي ضوء الاهتمام المتزايد والمستمر بضرورة إيجاد حل للصراع في سوريا ومواجهة "داعش" والتنظميات الجهادية الأخرى، فمن الأهمية بمكان من وجهة نظر الكاتب فهم (الهياكل الداخلية لتلك التنظيمات، وأيديولوجيتها، وأهدافها، والاستراتيجية التي تحكم عملها، ومصادر تمويلها، وعلاقاتها الإقليمية والدولية).
تغير الساسة الأمريكية في المنطقة
في هذا الفصل من الكتاب، يؤكد كل من "Emile Hokayem" و"Becca Wasser"، أنه مع تولي باراك أوباما رئاسة الولايات المتحدة، فقد عمل على إعادة تقييم السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، خاصةً في منطقة الخليج. وقد تبنت الولايات المتحدة استراتيجية "التقشف" في هذه المنطقة، حيث أدركت دوائر صنع القرار الأمريكي أن الشرق الأوسط يتطلب قدراً كبيراً من الاهتمام ورأس المال والموارد الأخرى، وهو ما يمكن توجيهه على نحو أفضل لتعزيز المصالح الأمريكية في منطقة أكثر أهمية وواعدة، وهي آسيا والمحيط الهادئ.
ويرى الكاتبان أنه على دول الخليج تحديداً أن تتكيف مع التوجه الأمريكي الجديد، خاصةً أن دول الخليج اعتادت على الالتزامات الأمنية الأمريكية، في ظل موقعها الاستراتيجي وكونها مركزاً لأسواق الطاقة. ومما لا شك فيه أن موقف واشنطن الجديد ورغبتها في "إعادة التوازن" نحو آسيا، يطرح تحديات كبيرة بالنسبة لدول الخليج، وأن ذلك يتطلب تقييماً لتصورات الدور العالمي المنظور للولايات المتحدة، ولوضع الشرق الأوسط سريع التغير.
هل روسيا قوة خارجية في الخليج؟
عندما تُستدعى روسيا في الحديث عن دور القوى الخارجية في الشرق الأوسط، غالباً ما يٌنظر لها بطريقتين: إما كونها امتداداً للاتحاد السوفيتي أو باعتبارها ضامناً محتملاً للأمن الإقليمي في المنطقة.
وفي إطار تناوله لهذا الموضوع، يُبرز "Samuel Charap" الباحث المتخصص في الشأن الروسي بمعهد (IISS)، مقولة منسوبة لأحد قادة الخليج بعد انعقاد "حوار المنامة" عام 2013 ذكر خلالها: "لقد أثبت الروس أنهم أصدقاء موثوق بهم، ونتيجة لذلك بدأت بعض الدول في المنطقة بالفعل النظر في تطوير العلاقات متعددة الأطراف مع موسكو، بدلاً من الاعتماد فقط على واشنطن".
وفي هذا الصدد، يؤكد الكاتب أن روسيا ليست الاتحاد السوفييتي، لأن الأخير كان لديه طموحات عالمية، ودخل في تنافس أيديولوجي مع الولايات المتحدة، بما فرض عليه ضرورة السعي نحو مد النفوذ في كل مكان، وأعطت هذه الأيديولوجية أيضاً وجوداً له في كثير من المناطق من خلال الأحزاب الشيوعية والحركات العمالية والسياسات المعادية للغرب. وفي المقابل، فإن ورسيا ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تفتقر إلى الزخم الأيديولوجي للتنافس مع الولايات المتحدة في كل منطقة. وعلاوة على ذلك، وبرغم الانتعاش الاقتصادي في البلاد في عهد بوتين، فإن موسكو تفتقر إلى الموارد اللازمة لإبراز القوة - سواء القوة الصلبة أو القوة الاقتصادية أو القوة الناعمة – على عكس ما فعل الاتحاد السوفيتي.
من ناحية أخرى، يرى الكاتب أن روسيا ليست في وضع يسمح لها بأن تحل محل الولايات المتحدة في المنطقة، حيث إنها لم تلجأ إلى إنشاء تحالفات عسكرية، كما أنها لم تعرض ضمانات أمنية على دول المنطقة. وعلاوة على ذلك، فإنه لا يوجد لديها مصلحة للقيام بذلك. وهذا يعني أن روسيا ليس لديها ما يجعلها تحقق التوازن بين مصالحها الوطنية في المنطقة وبين أهداف أوسع نطاقاً، وهي المعضلة التي تواجه الولايات المتحدة بانتظام.
الصين ومنطقة الشرق الأوسط
"إن محاولة واشنطن التخلي عن دورها القيادي التقليدي في الخليج يخلق فرصة استراتيجية للصين". بهذه العبارة لخص ""Alexander Neill الباحث المتخصص في أمن منطقة آسيا والمحيط الهادئ بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، الدور المستقبلي للصين في الشرق الأوسط.
ويوضح الكاتب أن الصين تُوصف أحياناً بأنها القوة الصاعدة "على مضض" في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بسبب حذر الزعماء الصينيين من الاضطرابات السياسية والعديد من الحروب في هذه المنطقة. ويضيف الكاتب أنه على خلفية السياسة الغربية المترددة في الشرق الأوسط، فقد سمح ذلك للصين بالعمل في الدول التي تراجعت فيها مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، مثل ليبيا والسودان والعراق. كما أدى الارتفاع المتزامن في التوتر السياسي بين واشنطن والرياض إلى تعزيز العلاقات السعودية - الصينية، وهو ما تبلور في شراء السعودية "صواريخ "DF-21 الصينية، وغيرها من الصفقات من الصين.
وقد اهتم العديد من الاستراتيجيين الصينيين بالمناورات الأمريكية في المنطقة كمؤشر على سلوكها المستقبلي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ودعا البعض منهم بكين إلى تبني نهجاً أكثر حزماً في الشرق الأوسط على أساس الروابط الثقافية، وحتى التعاون مع القوى الأوروبية في الخليج. وبغض النظر عما إذا اختارت بكين هذا المسار المحدد من عدمه، فسوف تكون الصين مدفوعة حتماً إلى منطقة الشرق الأوسط بسبب احتياجاتها المتزايدة من الطاقة خلال العقد القادم.
وعلى الرغم من أن الحفاظ على الصادرات الثابتة من النفط في الشرق الأوسط هو مصدر قلق استراتيجي لبكين، فإن واشنطن لاتزال الضامن لأمن الخليج. وفي الصدد يطرح Pierre Noel الباحث المتخصص في الشؤون الاقتصادية وأمن الطاقة بمعهد (IISS)، تساؤلاً مفاده: هل يمكن أن تحل الصين محل الولايات المتحدة في القيام بدور الضامن لأمن دول الخليج؟ ويعتقد الكاتب أن هذا الأمر يتوقف على ثلاثة عوامل: رغبة أو استعداد بكين لتأمين الخليج، وقدرة الجيش الصيني على القيام بذلك، واحتمالية أن يؤدي استقلالية الولايات المتحدة في مجال النفط إلى تقليص اهتمامها في القيام بدور الضامن للأمن الخليجي.
الهند.. شريك منتظر لأمن الخليج
يتناول Rahul Roy-Chaudhury"" الباحث المتخصص في شؤون جنوب آسيا، في هذا الفصل من الكتاب، العلاقات الهندية – الخليجية، موضحاً أنه رغم أن بعض دول الخليج تُعرف على أنها "شركاء استراتيجيين" بالنسبة للهند، بيد أن الزيارات المتبادلة على مستوى القيادات تتسم بالندرة، كما أن البعثات الدبلوماسية الهندية في الخليج صغيرة، فعلى سبيل المثال، فإن السفارات الهندية في البحرين والكويت لا يوجد بها ملحقون عسكريون مقيمون. ومع ذلك، فقد أدت الروابط البحرية والثقافية التاريخية بين الهند والخليج إلى علاقات قوية بين الجانبين في مجالات "الطاقة والعمالة والاقتصاد".
ويستعرض الكتاب عدداً من المؤشرات ذات الدلالة في هذا الشأن، ومنها أن الهند تعتمد على دول مجلس التعاون الخليجي الست في 42٪ من إجمالي وارداتها النفطية، فضلاً عن أن الهنود يشكلون أكبر جالية في جميع دول الخليج، بالإضافة إلى كون دول مجلس التعاون الخليجي أكبر شريك تجاري إقليمي للهند، إذ بلغ حجم التجارة بين الجانبين 145 مليار دولار عام 2011-2012، وهو أعلى بكثير من مستوى التجارة بين الهند ومنطقة الآسيان (76 مليار دولار) وكذلك التجارة بين الهند والاتحاد الأوروبي (90 مليار دولار).
كما أن تطوير العلاقات الثنائية بين الهند وسلطنة عُمَان وقطر والمملكة العربية السعودية إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية" أدى إلى التعاون الأمني والعسكري في مجالات مكافحة الإرهاب، ومكافحة غسيل الأموال، وقضايا الإنترنت، والجريمة المنظمة، والاتجار بالبشر، ومكافحة القرصنة.
* عرض مُوجز لكتاب تحت عنوان: "أمن الشرق الأوسط.. محور الولايات المتحدة وصعود داعش"، المنشور في ديسمبر 2014 عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
المصدر:
Toby Dodge & Emile Hokayem (Eds), Middle Eastern Security, the US Pivot and the Rise of ISIS (London: International Institute for Strategic Studies, December 2014) pp 216.